-A +A
حسن النعمي
الإسلام دين للحياة مثل ما هو دين من أجل الآخرة. وعليه للدين منحيان، أحدهما تعبدي يؤسس للعلاقة بين الإنسان وربه، والآخر بين الإنسان والإنسان. والثاني أثر من الأول، فإذا صلحت العلاقة بين الإنسان وربه، صلح ما بينه وبين الناس.
وعليه، فللإسلام مضمون اجتماعي لا يحفل به بعض المسلمين، أو يؤخذ على أنه تحصيل حاصل، مع أنه في حقيقة الأمر جزء أساس من التربية الروحية التي ينشدها الإسلام. ولعل الكثير من مظاهر الحياة حولنا تشي بهذا القدر من الانفصال بين مظاهر التعبد ومظاهر الصورة الإسلامية للمجتمع. فممارسات الكثير من الأفراد توحي بقدر غير قليل من البعد عن جوهر الدين القائم على احترام الآخر، واحترام الممتلكات العامة، وكف الأذى عن الناس، وغيرها من المظاهر الإيجابية.

ومن المعروف بالضرورة أن العبادات تنطوي على مضمون اجتماعي لا يكتمل معناها إلا بتطبيقه سلكوكا في حياتنا. فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والصوم جنة أي وقاية وستر، فينظم علاقة الفرد بالجماعة من حوله، وإن بدا الأمر خاصا بالصيام، فالمقصود تربية لما بعد الصوم، والزكاة طهارة للمال وتكافل مع المجتمع، والحج منافع وتواصل يحرم فيه الفسوق وما شابه. فهي عبادات تؤكد الصلة بالله من خلال حسن تعامل الفرد في مجتمعه.
في سلوك بعض الأفراد ما يوحي بتجاهل مبادئ الإسلام الاجتماعية، فيتصرفون بأنانية في استخدام الممتلكات العامة، أو استخدام الطرق، أو في أداء واجباتهم الوظيفية. ولعل سلوك الأنانية والإحساس بالتفرد هو من أكثر الظواهر سلبية في المجتمع. فمن الظواهر التي تعلق بالذهن عند التنادي للصلاة الذي يؤدي بالبعض إلى غلق الطريق بسيارته لحاقا بالصلاة، ويمعن في التأخر دون أدنى إحساس بالأذى الذي سببه للكثير ممن ينتظر فتح الطريق. ألم يستذكر هذا الشخص أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة؟ فهو بذلك لم يمط الأذي، بل عمد إلى وضع ما يؤذى المارة ويعطل مصالحهم. فأتى بواجب، لكنه أخل بآخر.
وهناك من الموظفين من يتذرع بعدم إنجاز عمل للغير لا يستغرق دقائق بحجة أن وقت الصلاة قد دخل، وهو قد يعلم أو قد لا يعلم أن القاعدة الشرعية تقول إن المصالح مقدمة على العبادات. غير أن البعض يتخذ وقت الصلاة فسحة من العمل، رغم أن العمل نفسه عبادة، إذ يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأنعام الآية 162: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين). والعمل يدخل في ضرورات الحياة التي لا تستقيم من دونه. فلماذا يسقط البعض أهمية العمل ويتجاهل أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهل هناك منكر أكثر من الإضرار بمصالح العباد؟! يمكن أن يفهم هذا على ضوء أن التربية الاجتماعية والتربوية قد قصرت في التأكيد على أن المضمون الاجتماعي للإسلام لا يقل أهمية عن العبادات الشعائرية، بل المضمون الديني هو التفسير العملي لإداء شعائر الدين مجتمعة.
وفي كثير من مشاهداتنا نرى عبثا متعمدا بالمرافق والممتلكات العامة، وهذا يتم بشكل منهجي، فلا يسلم مرفق عام من العبث المتعمد. ويتم هذا في ظل عدم استشعار دور الدين في حياتنا، بل إن البعض يتغاضى عن الربط بين العبادة والحياة، أو لا يبالي، أو ليس في مدركاته أبدا. وفي مقابل ذلك، هناك من يبذل عناية فائقة بما يملك من مركب أو مسكن أو ممتلكات خاصة.. العلاقة بين الخاص والعام هنا مفقودة، فالبعض يعلي من شأن الخاص على حساب العام مع أنهما مكملان لبعضهما البعض، فنظافة الشارع أمام المنزل تنعكس على سلامة أهل المنزل. فالسلبيات الصحية وانتشار القوارض ناتجة عن إهمال لنظافة الشارع. هذا يحدث في سياق عدم الوعي بأهمية المرافق العامة التي تندرج تحت المصلحة العامة..
ثقافة الأنانية طغت في مجتمعنا حتى تلاشت أهمية المرافق والممتلكات العامة، فالكثير يتعامل معها باستهتار وعدم تقدير للمال المبذول في إنشائها. وفي ظل عدم انعكاس أهمية العبادات في سلوكنا، فالواجب تفعيل قانون لحماية المرافق والممتلكات العامة لحفظها من عبث العابثين. فالله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. فالتنظيم وسن قانون حماية الممتلكات، إضافة إلى حملة توعية عامة من خلال المساجد والمدارس والجامعات لعل من شأنها أن تسهم في بلورة وعي الفرد تجاه حقوق مجتمعه.